غيّب الموت أسطورة الشطرنج الأميركي بوبي فيشر، الذي يعتبر بنظر الكثيرين أفضل لاعبي الشطرنج على مر العصور، وقد فارق الحياة في العاصمة الأيسلندية ريكيافيك التي لجأ إليها منذ عام 2005، بعد أن أصبح ملاحقا من السلطات الأميركية التي اتهمته بخرق حظر على التعامل مع جمهورية يوغسلافيا السابقة.
وطوال سني عمره الأربعة والستين، ظل فيشر –وهو يهودي الأصل- مثيرا للجدل، سواء بتصريحاته أو تصرفاته التي سببت له الكثير من المصاعب، حتى انه أصبح مطاردا من سلطات بلاده، وعدوا لدودا لليهود الذين ناصبوه العداء بسبب تصريحاته المعادية لهم، وتقربه من العرب، لكن موقفه الأكثر غرابة وإثارة للجدل، كان إعلان دعمه وتأييده لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقوله "إن الولايات المتحدة تجرعت من نفس الكأس الذي أذاقته للآخرين".
ولعل الانتصار التاريخي الذي حققه فيشر في عام 1972 على الروسي بوريس سباسكي في ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي، كان السبب الأبرز لشهرته التي بلغت الآفاق، إذ تابع اللقاء حينها عشرات الملايين، وتمكن في نهايته من تجريد سبايسكي من لقب "بطولة العالم" الذي ظل حكرا على اللاعبين السوفييت منذ الحرب العالمية الثانية، ليصبح أول وآخر أميركي يظفر باللقب الثمين.
وبزغ نجم فيشر في لعبة الشطرنج منذ نعومة أظافره، وسجل الكثير من الأرقام القياسية التي لا يزال بعضها قائما حتى اليوم، إلى أن فاجأ الجميع في عام 1975 بإعلانه الاعتزال وهو في أوج عطائه، دون إبداء الأسباب الحقيقة وراء هذا القرار.
وظل فيشر منذ قرار الاعتزال في عزلة تامة، استمرت حتى عام 1992، حينما قرر السفر إلى يوغسلافيا، ضاربا بعرض الحائط العقوبات الدولية والحظر الذي فرض عليها من المجتمع الدولي، لتكن المفاجأة بعد ذلك عودته للعبة الشطرنج ومواجهته من جديد بوريس سباسكي في مباراة استعراضية، تمكن فيها من الفوز بعد عشرين عاما من فوزه الأول، وكانت هذه المباراة هي الأولى والأخيرة لفيشر منذ قراره بالاعتزال.
تسبب السفر إلى يوغسلافيا وخوض المباراة أمام سباسكي بمعاناة طويلة لفيشر الذي أصبح مطلوبا للسلطات الأميركية، لتبدأ رحلته في التنقل بين بلدان العالم، فتارة كان يستقر في المجر، وتارة في الفلبين وتارة في اليابان، التي اضطرت لاعتقاله في عام 2004، حيث أودع السجن وأمضى فيه ستة أشهر، قبل أن تطلق سراحه أمام الضغوطات التي مارسها محبو الشطرنج في العالم، حتى أن مجموعة من محبيه شكلوا منظمة خاصة للدفاع عنه والمطالبة بإطلاق سراحه.
ورغم أنه ينحدر من أصول يهودية، كان فيشر يعادي اليهود ويعتبرهم السبب في معاناته المستمرة، وكانت إجابته على تساؤل احد الصحفيين حول اتهامه بمعاداته للسامية، السبب وراء تنامي كره اليهود له، حيث رد على السؤال بالقول "لا.. أنا لست معاديا للسامية، فأنا لا أكره العرب!".
وأثار فيشر جدلا واسعا في العالم عندما أعلن تأييده الكامل لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وقوله إن أميركا تتجرع من ذات الكأس التي أذاقتها للكثيرين في العالم، وهو ما أدى إلى تنامي العداء له، وتزايد المطالب باعتقاله وتقديمه للمحاكمة.
ووجد فيشر في أيسلندا ملاذا آمنا، وقررت الأخيرة منحه جنسيتها في عام 2005، وحظي لدى وصوله إليها باستقبال الأبطال من الأيسلنديين الذين احتضنوه حتى وفاته مساء الخميس الموافق 17 يناير 2008.